عمولات غير قانونية وتجاوزات مالية تهز مصرف الجمهورية الليبي
وفقًا للتقرير، اتُهم مصرف الجمهورية باستقطاع عمولة قدرها دينار ليبي واحد (1 دينار) على كل عملية شراء تتم عبر البطاقة المصرفية التي يصدرها.
هذه الممارسة المخالفة للقانون استمرت حتى مايو 2025 (وفقًا لتاريخ التقرير المشار إليه في الوثيقة المرفقة)، وقد أسفرت عن جمع مبالغ طائلة، بلغت 18,270,000 دينار ليبي من العملاء.
ويؤكد التقرير على أن هذا الإجراء يُعد "مخالفة صريحة لتعليمات المصرف المركزي بتقديم خدمة مجانية بالكامل"، وهو ما يتنافى مع القوانين المصرفية الواضحة التي ترفض استقطاع أي قيمة من عمليات الشراء التي تتم بواسطة البطاقات المصرفية، وتهدف إلى تشجيع التعاملات الإلكترونية وتخفيف العبء عن المواطنين.
عمولات البطاقات المصرفية: مقارنة عالمية:
في عالم يتجه بوتيرة متسارعة نحو الاقتصاد الرقمي والمعاملات اللانقدية، أصبحت البطاقات المصرفية عصب الحياة المالية اليومية. ورغم أن عمليات الشراء عبر نقاط البيع (POS) تُعد خدمة أساسية في معظم دول العالم، فإن طبيعة الرسوم المرتبطة بها تختلف، وبعض الممارسات تثير تساؤلات جادة، كما حدث مؤخرًا في ليبيا.
النموذج العالمي لرسوم معاملات البطاقات:
على الصعيد العالمي، تُعد رسوم معاملات البطاقات المصرفية جزءًا لا يتجزأ من نظام الدفع. ومع ذلك، فإن النموذج السائد يختلف جذريًا عن القضية الليبية المطروحة:
رسوم التجار (Merchant Fees / Interchange Fees): في الغالبية العظمى من الدول، يدفع التاجر (البائع) نسبة مئوية صغيرة أو رسماً ثابتاً على كل معاملة بطاقة مصرفية يقبلها. هذه الرسوم تُعرف باسم "رسوم الخصم التجاري" (Merchant Discount Rate) وتُوزع بين البنك المستحوذ (الذي يتعامل مع التاجر) والبنك المصدر للبطاقة (بنك العميل) وشبكات الدفع (مثل فيزا وماستركارد).
العميل لا يتحمل رسوماً مباشرة على الشراء المحلي: عادةً ما تكون خدمة استخدام البطاقة للدفع المباشر في المتاجر المحلية مجانية تمامًا للمستهلك في نقطة البيع. الأعباء تقع على التاجر كجزء من تكلفة ممارسة الأعمال التجارية.
رسوم أخرى على المستهلك (استثناءات): قد يتحمل المستهلك رسوماً في حالات محددة مثل:
- رسوم المعاملات الأجنبية: عند استخدام البطاقة لإجراء عمليات شراء بعملة أجنبية أو في بلد أجنبي.
- رسوم السحب النقدي من أجهزة الصراف الآلي: خاصة إذا كان الصراف الآلي لا ينتمي لبنك العميل.
- رسوم سنوية على البطاقة: لبعض أنواع البطاقات الائتمانية المميزة.
تتناقض القضية التي كشف عنها تقرير مصرف ليبيا المركزي حول مصرف الجمهورية بشكل صارخ مع هذه الممارسات العالمية المعيارية. فبدلاً من أن يتحمل التاجر رسوم المعاملة، يُزعم أن مصرف الجمهورية قام بفرض واقتطاع دينار ليبي واحد (1 دينار) مباشرة من حساب العميل على كل عملية شراء تتم عبر نقاط البيع، وهو ما يخالف "تعليمات المصرف المركزي بتقديم خدمة مجانية بالكامل".
هذا الاستقطاع المباشر من العميل، وبشكل غير قانوني، يُعد انحرافًا خطيرًا عن المبادئ المصرفية السليمة، وقد أدى إلى جمع مبالغ ضخمة تصل إلى 18.27 مليون دينار ليبي من جيوب المواطنين.
إن هذه الممارسات، سواء كانت عمولات غير قانونية أو مزاعم اختلاس، تهز الثقة في النظام المصرفي الليبي وتُعيق جهود التنمية الاقتصادية. في الوقت الذي تسعى فيه ليبيا لتعزيز الشمول المالي وتشجيع استخدام الخدمات المصرفية الرقمية، تُصبح مثل هذه التجاوزات عقبة كأداء.
يتعين على الجهات الرقابية والمصرف المركزي الليبي اتخاذ إجراءات فورية وشفافة وصارمة تتجاوز مجرد الإنذارات. يجب إجراء تحقيقات معمقة في كل الاتهامات، ومحاسبة المتورطين، وضمان استرداد الأموال التي تم استقطاعها من المواطنين. إن تطبيق القانون والشفافية هما السبيل الوحيد لتعزيز ثقة الجمهور، وحماية مدخراتهم، وضمان استقرار ونزاهة القطاع المصرفي في ليبيا.
تعليقات